قراءة في كتاب الصّاحبي لابن فارس....................
8 أبريل، 2014، الساعة 07:50 مساءً
يعدّ كتاب "الصاحبي في فقه اللغة و سنن العرب في كلامها" لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب المشهور بابن فارس،من أغنى الكتب اللغوية التي لا يمكن للباحث في الأدب و اللغة أن يستغني عنه لما فيه من موضوعات متعددة ، لا تخرج عن مجال الدرس اللغوي و تتعدّاها إلى كل ما له صلة بعلوم العربية كالنحو و الصرف و البلاغة و العروض، موثقا ذلك بالشواهد من كتاب الله عزّ و جلّ، و بالشعر العربي،و بالحديث النبوي الشريف، و بكل ما جادت به قرائح العرب.
و رغم أهمية الكتاب، فإنه يؤخذ على صاحبه أنه لم يعتمد منهجا دقيقا في تصنيف مادته،
وتوزيعها،بحيث تراه يتوسع في باب و يجيز إجازة شديدة في آخر، دون أن يقدم مبررا على ذلك، كأن أوفى في بعض الأبواب كالنحو و البلاغة و الأدب، واختصر في أخرى كباب الشعر مثلا.
وإذا ما رجعنا إلى قضية المصطلحات ،فإننا نجد مادة الكتاب بعيدة عن مفهوم مصطلح فقه اللغة ، لأن الكتاب طغت عليه سمة العموم و البعد عن تحليل المشكلات ، إلى جانب كون
اللفظة "فقه " لم يتفق عليها كمصطلح. أما عن "ابن فارس" فإننا نجده ناقلا جامعا أكثر منه مجتهدا لقوله: قال العلماء... أجمع اللغويون... .
أما عن فوائد هذا الكتاب- فهدفه أسمى يسعى إلى خدمة النص القرآني من خلال إكثاره من الشواهد القرآنية.وما جاء في تضاعيفه عبارة عن خامات أوّلية تبنى عليها اللغة العربية بمستوياتها المختلفة (بلاغية، لغوية، نحوية و أدبية).
- الموضوعات التي طرقها بالغة الأهمية كإعجاز القرآن و خصائص اللّغة العربية وسنن العرب في كلامها، مفصلا في مسائل عدّة منها العامة التي تتعلق بحياة اللغة العربية (أفضليتها، تفرّعها إلى لهجات، خصائصها... ) و الصّوتية خاصّة في باب الحروف: بحث عرّف الحرف و معناه و علله و الزّيّادة الّتي قد تحدث في الحرف و المعاني التي تحدث بعد الزيادة، لأن كلّ زيادة في اللّفظ تؤدّي إلى زيادة في المعنى، فخرج ليس مثل استخرج.
إلى جانب مسائل صرفيّة، حيث اهتمّ بالجانب الصّرفي و عرّفه و بيّن أهميته في تفريق المعاني، كونه يدخل في تركيب الجملة و يفرّق بين الصّيغ. و مسائل نحويّةهامة كالإعراب
وفائدته في التمييز بين المعاني. و مسائل الدلالة حيث تطرّق إلى معنى الدّلالة،و الفرق بين القصد و المراد و التّفسير و التّأويل، وهي متفرّقة في الكتاب، متناثرة هنا و هناك.
إلى جانب مسائل بلاغية تتعلّق بالبيان و المعاني و البديع، فلكلّ علم ميدان و كلها تخدم العربية. وقضايا شعريّة كالضرورة الشعرية، التي لا يعترف بها رغم وجود الشعراء حجّة " يجوز لنا مالا يجوز لغيرنا " و ابن فارس يرى أنه ما قبلته العربية فهو مقبول و ما رفضته فهو مرفوض. هذه الضّرورة الشعرية تفسد الكلام و بالتالي المعاني.
إنّ كتاب الصّاحبي كتاب قيّم، لا غنى لباحث في اللغة و الأدب عنه.
الأستاذة وادي رشيدة