الإسرائليات في التراث الإسلامي
الجزء الثاني
الأستاذة وادي رشيدة
وبعد خروجهم من مصر ، وبعد أن ضرب موسى البحر بعصاه ليهلك فرعون وجنده...قالوا:"ولمّا أغرق الله فرعون وجنده حينئذ سبّح موسى و بنو إسرائيل بهذا التسبيح للربّ و قالوا:" نسبّح الربّ البهيّ الذي قهر الجنود و نبذ فرسانها في البحرالأنيع المحمود ..." قالوا: و أخذت مريم النّبيّة – أخت هارون- دفّا بيدها و خرج النساء في أثرها كلّهن بدفوف و طبول ، و جعلت مريم ترتّل لهنّ و تقول:" سبحان الربّ القهّار الذي قهر الخيول و ركبانها إلقاء في البحر". و لما انفصل موسى من بلاد مصر و واجه بلاد بيت المقدس ، وجد فيها قوما من الجبّارين ،من الحيثانيين و الفزاريين و الكنعانيين و غيرهم ، فأمرهم بالدخول عليهم و مقاتلتهم . فأبوا ، فسلّط الله عليهم الخوف و ألقاهم في التّيهفي مدذة من السنين الطويلة هي من العدد أربعون . قال الله تعالى (سورة المائدة): " ...يا قوم ادخلوا الأرض المقدّسة التي كتب الله لكم و لا ترتدوا على أدباركم " " قالوا يا موسى إنّ فيها قوما جبّارين " " إنّا لن ندخلها حتى يخرجوا منها ، فإن يخرجوا منها فإنّا داخلون " " فاذهب أنت و ربّك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون " " قال فإنّها محرّمة عليكم أربعين سنة ، يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين".
و قد ذكر كثير من المفسرين ههنا أثارا فيها من مجازفات كثيرة باطلة يدلّ العقل و النّقل على خلافها من أنهم أشكالا هائلة ضخاما جدّا ، حتى أنّهم ذكروا أنّ رسل بني إسرائيل لمّا قدموا عليهم تلقّاهم رجل من رسل الجبّارين فحعل يأخذهم واحدا واحدا و يلقيهم في أكمامه و حجرة سراويله و هم إثنا عشر رجلا ، فجاء بهم فنثرهم بين يدي ملك الجبّارين فقال : ما هؤلاء؟ و لم يعرف أنّهم من بني آدم حتى عرّفوه ، و أنّ الملك بعث معهم عنبا كلّ عنبة تكفي الرّجل ، و شيئا من ثمارهم ليعلموا ضخامة أشكالهم ...و ذكروا ههنا أنّ عوجا بن عنق خرج من عند الجبارين إلى بني إسرائيل ليهلكهم و كان طوله ثلاثة آلاف ذراع و ثلاثمائة ذراع و ثلاثة و ثلاثين ذراع و ثلث ذراع...قالوا فعمد عوج إلى قمّة الجبل فاقتلعها ثمّ أخذها بيديه ليلقيها على جيش موسى ، فجاء طائر فنقر تلك الصّخرة فخرقها فصارت طوقا في عنق عوج بن عنق ثم عمد موسى إليه فوثب في الهواء عشرة أذرع و طوله عشرة أذرع و بيده عصاه و طولها عشرة أذرع فوصل إلى كعب قدمه فقتله .
قصّة آدم عليه السلام: يرى اليهود أنّ الله كتب الشّقاء على الإنسان في حياته على الأرض الذي أراد أن يقتحم نطاق المعرفة الذي منعه على تخطّي حدوده ...فسقط في خطيئة المخالفة لله ، و هذا هو المعنى الذي صوّرته القصّة الواردة في بداية سفر التّكوين " غرس الربّ الإله الجنّة في عدن ...و طبع هناك آدم الذي جبله و أنبت الرب الإله من الأرض كلّ شجرة شهيّة للنّظر وحيدة للأكل ، و شجرة الحياة في وسط الجنّة و شجرة معرفة الخير و الشّر ... و أوصى الربّ آدم قائلا: من جميع شجر الجنة تأكل آكلا ، و أمّا شجرة معرفة الخير و الشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتا تموت، و بنى الرب الإله الضّلع التي أخذها من آدم امرأة ، و كانا كلاهما عريانين ... و كانت الحيّة أحيل جميع حيوانات البريّة التي عملها الرب الإله فقالت للمرأة : أحقا قال الله لا تأكلا من كلّ شجر الجنة ؟ فقالت المرأة للحيّة: من ثمر شجر الجنة نأكل و أما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منها و لا تمسّاه لئلاّ تموتا ، فقالت الحيّة للمرأة لن تموتا ، بل الله عالم أنّه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما و تكونان كالله عارفين الخير و الشر ، فرأت المرأة أنّ الشجرة جيّدة للأكل و أنّها بهجة للعيون و أنّ الشجرة شهيّة للنّظر ، فأخذت من ثمرها و أكلت و أعطت رجلها أيضا معها فانفتحت أعينهما و علما أنهما عريانان ، فخاطا أوراق تين و وضعا لأنفسهما ومآزر وسمعا صوت الرب الإله فاختبأ آدم و امرأته من وجه الرب الإله وسط شجرة الجنة ، فنادى الرب الإله آدم و قال له أين أنت ؟ فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأنّي عريان، فاختبأت. فقال : من أعلمك أنّك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألاّ تأكلا منها؟
فقال آدم : المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت. فقال الرب الإله للمرأة ... تكثيرا أتعاب حبلك ، بالوجع تلدين أولادا و إلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك ، و قال لآدم لأنّك سمعت لقول امرأتك... ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كلّ أيّام حياتك يعرق وجهك، تأكل خبزا حتى تعود ألى الأرض التي أخذت منها لأنك تراب و إلى التراب تعود. و قال الرب الإله هو ذا الإنسان قد صاركواحد منّا عارفا الخير و الشر و الآن لعلّه يمدّ يده و يأخذ من شجرة الحياة أيضا و يأكل و يحيا إلى الأبد، فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ( سفر التكوين3:2)
يتبع...
بقلم الأستاذة وادي رشيدة