منتدى مالك بن نبي فيلسوف الحضارة المعاصر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى مالك بن نبي فيلسوف الحضارة المعاصر

مالك بن نبي مفكر جزائري عالمي معاصر تمكن بدافع حماسه الإيماني العميق وبفضل تمكنه من المنهج العلمي المعاصر من تشخثص مشكلات الحضارة الإسلامية خاصة ووضع الحلول المناسبة لها ..
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 القراءة التحليلية في كتاب "الظاهرة القرآنية " لمالك بن نبي ** عبد المالك حمروش ** الحلقة 20

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد المالك حمروش
مدير عام
مدير عام
عبد المالك حمروش


عدد المساهمات : 387
تاريخ التسجيل : 14/04/2013
العمر : 39

القراءة التحليلية في كتاب "الظاهرة القرآنية " لمالك بن نبي ** عبد المالك حمروش ** الحلقة 20 Empty
مُساهمةموضوع: القراءة التحليلية في كتاب "الظاهرة القرآنية " لمالك بن نبي ** عبد المالك حمروش ** الحلقة 20   القراءة التحليلية في كتاب "الظاهرة القرآنية " لمالك بن نبي ** عبد المالك حمروش ** الحلقة 20 Emptyالأربعاء أكتوبر 02, 2013 10:29 pm

القراءة التحليلية في كتاب "الظاهرة القرآنية " لمالك بن نبي ** عبد المالك حمروش ** الحلقة 20


العصر القرآني


المرحلة المكية:



تحت عنوان: العصر القرآني ثم عنوان فرعي: المرحلة المكية
يشرع مالك بن نبي في سرد بعض المعطيات الهامة منها:
أن محمدا صلى الله عليه وسلم الآن في سن الأربعين .. ومن جديد يبرز تاريخه حيث نجده في أزمة أدبية عميقة يقول مالك (نهاية ص 121)

في صفحة 122 يتابع بن نبي ملاحظاته عن السلوك النبوي ليقرر أنه لم يتغير عما كان عليه في الفترة السابقة ما قبل البعثة لأنه كما ذكر هو كان يقسم وقته إلى ثلاث كما مر بنا هي العبادة والتأمل والعمل والمتعة الحلال .. غير أنه في الخمسة عشر سنة الأخيرة بعد الزواج والاعتزال كان تقريبا متفرغا للعبادة والتأمل في صناعة الخالق البديعة لكن هذا التأمل ليس نظريا منهجيا فمحمد عليه الصلاة والسلام ليس إلا شخص بسيط حنفي وليس صاحب عقل منهجي يبحث عن نظرية متسقة في الكون أو صاحب عقل مضطرب يبحث عن الطمأنينة فقد كان دائما مطمئنا خاصة بعد اعتزاله فهو يؤمن بإله واحد هو إله إبراهيم يقول ابن نبي.

هنا نلاحظ استمرار اتجاه مالك بن نبي للفصل الصارم بين الشخص البشري العادي مهما كانت ميزاته وكماله البشري وما تلقاه من وحي ورسالة وقرآن وحيا وليس صنعا كما يريد أعداء الإسلام تصوير ذلك حيث إن محمد رسول الله لم يكن يهتم مجرد الاهتمام بالحث لا عن النبوة ولا عن محاولة إيجاد رسالة يدعيها لنفسه كما أراد الخصوم إثبات ذلك دون جدوى فطبيعة محمد البسيطة المطمئنة المستقرة دينيا على الموروث الإبراهيمي الاسماعيلي ليس في حاجة إلى ما يزعمون ولا شيء آخر إطلاقا يدفعه إلى ما يتوهمون وحتى لو هو أراد ذلك فإنه لا يستطيع لأن القرآن العظيم في حد ذاته معجزة ولم يستطع كبار المفكرين الإتيان كما جاء فيه بسورة واحدة من مثله بل بعض الآيات ولهذا فإن التشكيك في الرسالة وصاحبها هو من باب العبث الذي يبرهن عليه مالك بن نبي بالأدلة المتنوعة القاطعة خلال كتابه الذي بين أيدينا.

يعتبر مالك بن نبي ما يحاوله النقد الحديث وخصوصا الأستاذ (درمنجهام) الذي كان قد تحدث عنه سابقا ويظهر أنه أحد كبار المستشرقين الذي يجده مالك قريبا من الموضوعية خطأ وهو أنهم يحاولون تصوير هذه المرحلة بعد البعثة مباشرة على أنها (مرحلة قلق وبحث) بمعنى أن النبي الكريم كان في حيرة من أمره باحثا عن سبل إنشاء الرسالة التي يصبح مقتضاها رسولا وهذا خطأ جسيم متصنع لأنه لا شيء يبررها أو يثبتها في طبيعة محمد ولا في نفسيته أو شخصيته أو سلوكه فهذا ادعاء باطل لا برهان عليه البتة.

يؤكد مالك بن نبي على هذا الخطأ الجسيم ويلح لكونه غير واقعي وغير منطقي ولا تشير إليه الأحداث في تلك الفترة من بداية النبوة فالمشكلة الغيبية حسب وثائق ذلك العصر لم تساور نفس محمد على الإطلاق لأنه مطمئن وله قناعاته وإيمانه ولا داعي لديه البتة لطرحها فهناك شخصيته الراسية المطمئنة والإلهام الذي اتسم به ثم هناك الجانب الوراثي الديني الراسخ لديه والذي مصدره جده الأول "إسماعيل". فمن يأتي لمحمد هذا القلق المزعوم والبحث له عن حل وهو بعيد كل البعد عن هذه الحالة الغريبة عنه كل الغرابة.

يعتبر مالك بن نبي هذه الملاحظة أساسية كما قال في دراسة الظاهرة القرآنية أي اطمئنان النبي وقناعته الدينية وبساطته وبعده عن القلق والبحث العقلي أو الديني لكونه في غير حاجة إلى كل هذه الافتراضات البعيدة عن الصواب ولا تعنيه في شيء ومن قالوا بهذا لم يأتوا بأي دليل ولو ضعيف لإثبات هذه الحالة الفكرية والدينية والنفسية لدى الرسول عليه الصلاة والسلام.

وفي نهاية المطاف يحسم المفكر الكبير المسألة بالقول إن والقرآن والسيرة النبوية الشريفة يقدمان الرسول عليه الصلاة والسلام في صورة واضحة لا تترك مجالا لأي تخريجات غير موضوعية تماما ولا علاقة لها بالواقع والمنطق والأحداث الموثقة بإحكام ومحفوظة بأمانة فهذا الشخص الراقي إنسانيا لم لكن له إطلاقا مشكلة دينية يبحث عن حل لها فقد كان متدينا بدين أبويه إبراهيم وإسماعيل موحدا على طريقتهما وأي اهتمام له يكون أخلاقيا بحتا على طريقة المتصوفة المسلمين أن نساك الهنود يمارسون تلك الأحوال أخلاقيا وروحيا ولا علاقة لهم عندها ولا عنده بالبحث عن دعوة أو رسالة ليتزعم بها كما يريد هؤلاء الموتورين أن يدعوا .. وبهذا يكون مالك بن نبي قد حسم الأمر نهائيا ولا أظن أن أحدا من هؤلاء قد عاد للنبش في الموضوع مرة أخرى. "نهاية ص 122"

كان مالك قد تحدث عن أزمة أدبية أو نفسية تعرض لها النبي الكريم في ظروف بعثته وعنها يحدثنا في الصفحة 123 إنها أزمة شك ليس في وجود الله ولكن في نفس الرسول ويتساءل الكاتب عن سبب هذا الشك الذاتي لدى محمد بن عبد الله لما ذا جد ظل ذاته هو المرتكز في تأملاته الدينية؟ يلاحظ مالك بن نبي أن السيرة النبوية لم تتعرض لهذا الموضوع ولا نجد فيها معلومات عنه لكن الآية السابقة ومفاتحة خديجة له في الزواج تشيران إلى هذه الأزمة النفسية التي تعرض لها الرسول في نهاية عزلته وفي تأمل الآية الكريمة وتفصيل السيرة لا نجد فيهما تحديدا لطبيعة المشكلة النفسية التي تعرض لها النبي في تلك الظروف لكنها ليست أبدا حالة من الطموح اللامعقول أو الشعور بالعظمة أو بالدونية فكما مر بنا دائما فإن شخصية محمد عليه الصلاة والسلام معتدلة رصينة متوازنة ذات كمال بشري أقصى ما يمكن للذات البشرية أن تبلغه من الكمال في إطار طبيعتها الإنسانية.

يتساءل المؤلف عن طبيعة هذا الشعور الذي ملأ على النبي نفسه ولم يكن له سابق عهد به ما مصدره يا ترى هل هو من قبيل الإلهام أو اللاشعور أو شيء من هذه الأحوال التي يمكن أن تعتري النفس البشرية؟ كان مالك في بداية هذا الكتاب قد حدثنا عن أحاسيس عجيبة لدى بعض الحيوانات وها هو الآن يعود إليها متحدثا عنها حيث يأتيها إلهام بأن مساكنها ستتعرض للخطر قربا مثال ذلك النمل الأمريكي الذي يترك مساكنه قبل اندلاع حريق وشيك فيها (نهاية ص 123).

نتمم المثال عن النمل الأمريكي الذي يقول مالك أنه يغادر مساكنه قبل اندلاع الحريق فيها بليلة ويضيف المؤلف لتأكد الظاهرة مثالا من جنوب قسنطينة عن حيوانات أيضا تفر من الكوارث الطبيعة قبل وصولها إليها. يستعمل مالك المثالين عن الحيوانات المذكورة متسائلا هل لدى النبي الكريم ما يشبه هذا الإلهام؟ أي الإحساس الطبيعي بأن الظاهرة القرآنية ستملأ كيانه وتغمر وجوده كله؟ هل اللاشعور هو الذي سبب له هذه الحالة التي أرعبته؟ لكن هذا غير ممكن وإلا لصلح لتفسير كل الظاهرة القرآنية والحالة غير العادية التي اعترت النفس النبوية الشريفة بسبب قرب نزول الوحي عليه, لا مكن أن يفسر الوحي بأنه حالة لا شعورية تطرأ على الرسول فهذا أمر مرفوض منطقيا ولا يمكن للاشعور بطبيعته أن يستوعب ظواهر مثل هذه التي أتى به الوحي.

أمام هول الظاهرة العاصفة بذات الرسول الكريم لم يستطع حيالها سوى مكاشفة زوجته خديجة مفسرا ما يحدث له من شعور رهيب بالمس أو بالسحر غير أن المرأة الصالحة طمأنته وأكدت له أن مثله بسلوكه القويم الخير السوي لا يمكن أن يتعرض لشيء مما حدثته به نفسه ولن يكون إلا خيرا إن شاء الله مؤكدة له أن الله لا يمكن أن يتخلى عنه أبدا, ويستنتج مالك بن نبي من هذا أن المحيط العائلي لمحمد كان قبل البعثة متشبعا بوحدانية الله ومؤمنا به كواحد أحد يظهر هذا في كلام خديجة هن مطمئنة زوجها بأن الله لن يتخلى عنه وسيكون معه وإلى جانبه يدعمه ويسدد خطاه مما يشير إلى الإيمان الراسخ بالله الواحد الأحد في محيط محمد. وهذه نقطة مهمة يقول ابن نبي في رسم شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وفي وصف نفسيته التي تؤمن إيمانا راسخا بالله الواحد الأحد. بعد تهدئة خديجة وطمأنتها له يستأنف محمد عزلته ليعصف به الشك من جديد ويعم نفسه الاضطراب الشديد الذي لازمه في تلك الفترة متصاعدا اكثر من ذي قبل حتى أنه صار يشعر بشيء يشبه الظل (حضور) يقول مالك يطوف من حوله. نهاية ص 124


في صفحة 125 من كتاب الظاهرة القرآنية يصف مالك بن نبي ببراعة لحظة نزول الوحي لأول مرة على نبي الإسلام عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم وحالة الرعب والفزع التي تملكته حيث عاد في حالة يرثى لها إلى خديجة الحانية الحكيمة التي تعهدتها بعطفها وأعادت إليها الهدوء والاتزان والطمأنينة فيعود مجددا إلى جبل النور وينام مجددا عندما أقبل الليل في غار حراء وحينها يقبل عليه جبريل قائلا: اقرأ .. فيتلملك محمد الرعب ويحاول الابتعاد عن القادم الغريب مجيبا: ما أنا بقارئ .. لكن جبريل يضمه حتى يكاد يخنقه ثم يعيد عليه: اقرأ .. فيجيب: ما أنا بقارئ (نهاية ص 125)

في صفحة 126 يكرر الزائر الغريب الروحي الذي سيلازم محمد من الآن فصاعدا لمدة 23 سنة كاملة محمدا للمرة الثالثة قائلا: اقرأ .. (اقرأ باسم ربك الذي خلق, خلق الإنسان من علق, اقرأ وربك الأكرم, الذي علم بالقلم, علم الإنسان ما لم يعلم) [العلق 96/1 - 5] .. هكذا ولدت في هذه اللحظة الظاهرة القرآنية التي ستستمر في الاكتمال مدة 23 عاما, وبهذا تولد شعور لدى النبي بأن كتابا طبع في قلبه ستتابع صفحاته في النزول كلما دعت حاجة الرسالة إلى ذلك وأحيانا يتباطأ الوحي في النزول حتى عند الحاجة الملحة إلى ذلك ويضرب المؤلف لذلك مثلا: فقد انتظر المصطفى عليه السلام عامين كاملين قدوم زائره الغريب مرة أخرى بعد أمره بالقراءة أول مرة فاحتار وتملكته الريبة وشك في حواسه وأنه ربما كان يتوهم أو أن القدرة الربانية قد تخلت عنه بعد اعتقاده أنها هي التي تقوده (نهاية ص 126)

يتعرض مالك بن نبي في ص127 لحالة القلق التي تعتري الرسول الكريم بعد انقطاع الوحي عنه مما سبب له آلاما نفسية حادة حتى هده الإعياء وعصف به التوتر العصبي  واليأس من عودة ذلك الصوت المؤثر الذي أوحى إليه بالآيات الأولى من الذكر الحكيم من سورة العلق ثم اختفى لأكثر من عامين وتواسيه الزوجة العطوف خديجة وفي أزمة اعترته هدأت من روعه ودثرته بثوبه فاستغرق في النوم بينما سارعت خديجة بالخروح حتى لا توقظه وفي تلك الأثناء يأتي صوت حيراء مرة ثانية فيهب محمد مستيقظا فإذا بالصوت يقول: (يا أيها المدثر, فم فأنذر, وربك فكبر) المدثر 74/1 - 3 دخلت خديجة فوجدته جالسا غارقا في التأمل فاندهشت سائة له "لما ذا لم تنم ييا أبا القاسم" ؟ - نهاية ص 127

في صفحة 128 يجيب الرسول الكريم زوجته الصالحة قائلا: (انتهى يا خديجة عهد النوم الراحة, فقد أمرني جبريل أن أنذر الناس, وأن أدعوهم إلى الله وإلى عبادته, فمنذا أدعو؟ ومنذا يستجيب؟ ...).(1)
وهكذا ينتقل النبي الكريم من معاناة محنة انقطاع الوحي عنه مدة طويلة إلى معاناة محنة جديدة أشق وأصعب هي التكليف بالتبليغ والدعوة إلى الله قائلا: (فمنذا أدعو؟ ومنذا يستجيب؟) فيا لها من مهمة شريفة مضنية كأداء! يقول المؤلف إنهما حالتان نفسيتان ضروريتان خاصة لدراسة الظاهرة القرآنية بالنسبة للذات المحمدية, ويضيف مالك لم يكن موقف الذات هذه من الأزمتين بحثا عن القام بالدعوة بل كان بحثا عن فضل من الله لمسته منذ الوحي الأول بمعنى أنه لم يكن يبحث عن زعامة بل فقط يرغب في رضى الله ومكانة مرموقة لديه لمسها منذ نزول الآيات الأولى عليه. وقد كان الجهد الذي بدله محمد في الحالتين دليل قاطع في نظر ابن نبي على استقلال الظاهرة القرآنية عن موضوع الدراسة "ذات النبي" وهذا هو الهدف الأساسي من هذا الكتاب كله حيث يرمي مؤلفه إلى إثبات علمي موضوعي لا يقبل الجدل لكون الوحي حقيقي مصدره خالق الكون أي أنه كلام الله سبحانه وليس كلام محمد كما يزعم أعداء الإسلام الألداء في الداخل والخارج. وما كان لحل الأزمة النفسية أن يتأخر لو كان مصدرها "اللاشعور" لدى شخص لم يسع إلى كبت الظاهرة في نفسه, بل إنه سعى بكل إرادته إلى تسهيل ظهورها, يقول ابن نبي. (نهاية ص 128) ..

في الصفخى 129 يواصل مالك بن نبي الحديث عن الأزمة والصعوبات النفسية الكبيرة التي عاناها الرسول الكريم في بداية البعثة وبالذات عند تلقيه الوحي حيث يقع الاتصال بين عالمين مختلفين تماما في طبيعتهما هما عالم البشر المتمثل فيه عليه السلام وعالم الملائكة الذي يمثله جبريل ذلك الاتصال العسير المتعب لهذا السبب ويستدل مالك بن نبي بذلك على أن النبي الكريم ما دام قد قبل بذلك العذاب فإنه قد قبل بتلقي الوحي وحمل رسالته المنزلة عليه وما يتبع ذلك من أعباء نشرها بين الناس ..

إذن هناك أمران عسيران التزم بهما محمد هما تلقي الوحي بما في ذلك من معاناة بالغة الصعوبة وتبليغه للناس حيث التزم بألا تخلى عنهما وفي هذا التبليغ أيضا معاناة يشيب لها الولدان حيث صادف الرسول الكريم عدوانا رهيبا من سادة قريش وحتى أطفالها لكنه لم يتردد ولم يتزعزع ولم يدر في خلده الانتهاء على ما التزم به للملكوت الأعلى وهو تلقي الوحي على مافيه من عذاب يكاد يكون فوق طاقة البشر ثم تبليغه على ما في ذلك من صراع مرير وأخطار محدقة به وتهديد بالموت لكن كل هذا لم يكن ليثني رسول الله عليه الصلاة والسلام عن مواصلة تلقي الرسالة وتبليغها كما التزم بذلك وتعلق به منذ بداية الوحي حينما تلقى لأول مرة آيات من سورة العلق "اقرأ".

عندما يأتي مالك بن نبي بكل التفاصيل المعروفة ويريد إبرازها بوضوح هادفا دائما إلى البرهنة القاطعة على أن الوحي وحي وليس كما يدعي أعداء الإسلام وأتباعهم بدليل الأزمة الشديدة التي مر بها نبي الإسلام عند تلقيه الوحي لأول مرة لصعوبة الأمر ثم الأزمة الثانية التي كانت بانقطاع الوحي عنه لمدة طالت وقد تعلقت نفسه الشريفة بقبول تلقي الرسالة والالتزام بتبليغها وفي هذا الأمر لاقى الأهوال من سادة قريش الذين هددوه عن طريق عمه أبو طالب وعرضوا عليه المناصب العليا والمال وكل ما يرغب فيه مقابل التخلي عن الرسالة وعندما عرض عليه عمه ذلك قال كلمته المشهورة وقد دمعت عيناه : "والله يا عم لو وضعوا لو وضعوا الشمس في يميني والقممر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته, حتى يظهره الله أو أهلك دونه". فلم يجد عمه الطاعن في السن أمام هذا التصميم إلا أن يعده بالحماية. فكان قرار قريش نبذ محمد وأهله وتعليق صحيفة بهذا الأمر في الكعبة, وبموجبه حرمت عائلته من كل المعاملات والعلاقات مع مجتمع مكة كلها, ومعروف أن تلك الصحيفة التي علقوها أكلتها الأرضة وأن النبي الكريم شاهد ذلك (نهاية ص 129)  

يعطي مالك بن نبي لهذه الأحداث قيمة كبيرة وغايته هي تبيان الحقيقة البشرية لمحمد مهما كان كماله في نوعه لكنه يبقى بشر والشاهد على ذلك معاناته الشديدة عند اتصاله بالوحي لأن ذلك الموقف لا قبل للبشر به ومن ثم إدراكه لحقيقة الرسالة الربانية والتزامه بها رغم المخاطر الكبرى التي تعرض لها ذلك لأنها وهي رسالة السماء تستحق كل تضحية ولا يمكن لمن تلقاها أن يتراجع عنها مهما كانت الأهوال .. فمحمد إذن بشر والقرآن وحي والبراهين لا حصر لها وسيظل مالك بن نبي يعرضها واحد بعد آخر إلى أن ينتهي من هذا  الكتاب الذي جعله قاعدة متين لمشروع الحضارة الذي سوف يشيده شاهقا شامخا انطلاقا من هذه القاعدة الصلبة القرآن كتاب الله ومحمد رسول الله ولا حضارة يمكن أن تشيد أرقى من الحضارة التي هذه هي قاعدتها الذهبية .. ولنتوقف هنا لنواصل متى أمكن ذلك مع مالك بن نبي وهو يؤسس بالظاهرة القرآنية لحضارة الإسلام التي لا تفوقها حضارة في التاريخ والجغرافيا.

انتهينا في ص129 إلى أن محمدا رسول الله شاهد في المنام أكل الأرضة لميثاق المقاطعة له ولعائلته الذي علقته قريش في الكعبة المشرفة فعندما وقع ذلك بالفعل س حبتة قريش قرار المقاطعة وبذلك انتهت محنة قاسية لآل هاشم وأل عبد المطلب الذين عادوا إلى مكة وصار النبي الكريم يمارس دعوته داخل الكعبة لكن قريش كانت تأمر الناس بعدم الاستماع إليه فقرر الهجرة فكان أن أرادوا منعه منها بكل الوسائل بما فيها العزم على قتله فواجه كل ذلك بعزيمة من فولاذ مستعينا بشكوى ضعفه إلى الواحد القهار لكنه فشل في مسعاه الأول وعاد إلى مكة حيث وجد أهوالا أخرى أشد (نهاية ص 130)

لقد مات سنده وحاميه الوحيد عمه أبو طالب وهي محنة ما بعدها محنة. فكان مصاب النبي الكريم مزدوجا جللا بفقدانه لمناصره الكبير ولأن هذا مات مشركا مما عصف بنفس الرسول عصفا حيث حاول جاهدا أن يقنع عمه المحتضر بالشهادة لكنه امتنع لاعتبارات تتعلق بكبريائه ومكانته في قريش. ولم يكد هذا الجرح الغائر أن يلتئم حتى نكأه ما هو أبلغ منه إيلاما وهو موت
الرفيقة الفاضلة الحانية خديجة رضي الله عنها زوجه الساهرة عليه المعضدة له الراعية له إفضل رعاية(2) نهاية ص 131

يتحدث مالك بن نبي في ص132 عما أسماه الفاجعة المزدوجة التي ألمت بنبي الإسلام وهي موت عمه أبو طالب وزوجته خديجة فساءت أحواله كثيرا وتجرأت عليه قريش التي كانت تخشى سطوة عمه فقررت التخلص منه بالقتل حماية لمصالحها السياسية وامتيازاتها التجارية بين قبائل العرب(3). فكانت مكيدة اشتراك كل قبائل العرب في قتل رسول الله صل الله عليه وسلم حتى لا تتحمل المسؤولية أي منها. فكان لا بد من مخرج هو الهجرة وهنا ينتقل المؤلف إلى المرحلة المدنية كما نعتها

المرحلة المدنية
بينما كانت مكة تدبر لنبي الله الاغتيال كانت المدينة تستعد لاستقباله بحماس منقطع النظير فكانت بيعة العقبة ودور "مصعب بن عمير" في هذه الأحداث هما العاملان الأساسيان الممهدان للهجرة. فكان أن خرج الرسول الكريم ليلا من بيته المحاصر ووصلا هو وصاحبه أبو بكر الصديق إلى "غار ثور" حيث استقرا فارتجفت مكة للحادثة وخرجت قريش تبحث عنهما (نهاية ص 132)

يقول مالك أن فرصة نجاة الرسول وصاحبه كانت ضئيلة وقد بلغ المقتفون لآيارهما بالفعل مدخل الغار لكنهما لم يتجاوزا عتبته بسبب الحمامة الورقاء والعنكبوت وهو أمر لا تفسير له مقنع غير الرعاية الربانية في حالة تشبه الإعجاز إن لم تكن بالفعل معجزة حقيقية ولهذه الحادثة أهمية كبرى وقد اعتنت بها كتب السيرة والتاريخ وذكرها القرآن وهو أهم المصادر في قوله تعالى: (إذ أخرجه الذن كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار, إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا,  فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) [التوبة 9/40].
في إشارة إلى الطابع الإعجازي لمجريات الأحداث يقول مالك بن نبي: "وواضح من هذا إن القدر قد يمهد سبله بطرق غير مفهومة أحانا, تحير الخواطر والعقول". في إشارة إلى أن الحادثة تفوق قدر العقل على تصور الأشياء وإدراكها وذلك لأننا أمام مسار فيه الجانب البشري المكتمل الطبيعة وفيه الجانب الفوقي المفارق الرباني الذي يرافق حالة البعثة والرسالة والوحي.
يذكر مالك أن اهتمامه بالتفاصيل النفسية مهمة في هذه الدراسة ومنها هذه الحادثة التي بينت بوضوح سكينة النبي وهو يطمئن صاحبه "في هدوء يفوق طاقة البشر" كما أن إخلاص النبي يعتبره المرلف شرطا ضروريا لاستخدام الآيات القرآنية وثائق نفسية ثابتة أي أن لها جانب الحالة النفسية أو الأحوال التي كانت لها لدى الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم, يقول الإخلاص يتجلى في هذه الحادثة بصورة روائية في تلك اللحظة الحاسمة في إشارة إلى خطر الموت الذي كان يحوم حول الرفيقين وهما مختبئان في غار ثور.
وبانسحاب المطاردين واصل الصديقان رحلتهما إلى يثرب حيث استقبلهما الأنصار استقبالا عظيما وبالمناسبة غيرت "يثرب" اسمها. نهاية ص133.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا الخبر غير موجود في كتب الحديث (ف) وفيما لدينا من كتب السيرة. وإن كان قد ورد في كتاب حياة (محمد) وفي كتاب (أزواج النبي) دون أن ندري لمؤلفيهما مرجعا (المترجم)
(2) يذكر المترجم هنا رواية مغايرة عن ترتيب الأحداث معتمدا في ذلك على مراجع من التاريخ والسيرة
(3)يذكر المترجم أن أهم دافع لمكيدة قريش ليس ما ذكره المؤلف بل هو خوف قريش على دينها الوثني من الدعوة المحمدية


عدل سابقا من قبل عبد المالك حمروش في الثلاثاء ديسمبر 17, 2013 7:03 am عدل 11 مرات (السبب : إضافة)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://benabbimalek.forumalgerie.net
 
القراءة التحليلية في كتاب "الظاهرة القرآنية " لمالك بن نبي ** عبد المالك حمروش ** الحلقة 20
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» القراءة التحليلية في كتاب "الظاهرة القرآنية " لمالك بن نبي ** عبد المالك حمروش ** الحلقة (21)
» القراءة التحليلية في كتاب "الظاهرة القرآنية " لمالك بن نبي ** عبد المالك حمروش ** الحلقة (22)
» القراءة التحليلية في كتاب "الظاهرة القرآنية " لمالك بن نبي ** عبد المالك حمروش ** الحلقة (23)
» القراءة التحليلية في كتاب "الظاهرة القرآنية " لمالك بن نبي ** عبد المالك حمروش ** الحلقة 25
» القراءة التحليلية في كتاب "الظاهرة القرآنية" لمالك بن نبي ** الحلقة 19 ** عبد المالك حمروش

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى مالك بن نبي فيلسوف الحضارة المعاصر :: الفئة الأولى :: القراءة التحليلية لكتاب الظاهرة القرآنية-
انتقل الى: